عقلانيون ام راونديون جدد




عقلانيون ام راونديون جدد

 الدعوة الى العقلانية  أم الى  التحلل من الدين ؟
ينتمي الكاتب الى المدرسة  القرآنية العقلانية  و التي هي ظل للمدرسة العلمانية الليبرالية المعاصرة  ، التي تقدس بل تأله  العقل ، و تجعله وصيا حاكما على الشرع ! و هي تضم كتابا علمانيين متسترين وراء الدعوة الى التنوير و حرية التفكير التي لا تقف عند حدود بل تطال المقدس وغير المقدس، وتدعو إلى رفض النص الديني الذي كان سببا في تخلف و تأخر المسلمين عن اللحاق بقطار الحرية و التقدم و شل العقل العربي  عن الإبداع  و التفكير العقلاني المستنير .
لذلك، يجب أن لا نعجب من كثرة الإشادة بالعقل في مؤلفات هؤلاء وكأنه حكرٌ عليهم، حجر على غيرهم،
    موارد رشيد أيلال
- زكريا أوزون 
       "جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين" لزكريا أوزون [1]الذي يُعدُّ واحدا من المفكرين العلمانيين الذي نجد بصمته الفكرية ظاهرة في كتاب: "صحيح البخاري، نهاية أسطورة" لرشيد أيلال، ولو أن هذا الأخير لم يُشر إلى مظاهر هذا التأثر ، و بالمقارنة بين كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" وبين هذا الكتاب، يتبين   أن أيلال أعاد نسج الشبهات حول صحيح البخاري على طريقته ولكن مضامينها مأخوذة بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشِرة من كتاب "جناية البخاري"، سواء ما تعلق بالطعن في الروايات الواردة في صحيح البخاري أو ما تعلق بنسخه وتناقضاتها على حد زعم أيلال وزكريا أوزون، أو ما تعلق أساسا بقضية كون السنة ناسخة للقرآن، فقد تشابهت موضوعات الكتابين وإن اختلفت الصياغة، ولا بد أن أشير هنا إلى أن تأثير فكر زكريا أوزون واضح في كتاب: "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة"، لأن زكريا أوزون يعدّ من كبار الرافضين للنص الإسلامي، وله سلسلة في ذلك منها: "جناية سيبويه.. الرفض التام لما في النحو من أوهام" و"جناية الشافعي، تخليص الأمة من فقه الأئمة" بالإضافة إلى كتبه الساخرة من أركان الإسلام مثل "الصلاة.. عسكرة الرحمان" و"الزكاة إتاوة العربان" و"الإسلام.. هل هو الحل؟" و"لفق المسلمون إذ قالوا"، والخلاصة أن زكريا أوزون عمد إلى أصول الفكر الإسلامي اللغوية والفقهية والعقدية فنقضها، وركز في ذلك على نقد عمالقة هذا الفكر، فحمل على سيبويه النحوي والشافعي الفقيه، والبخاري المحدث، وذلك لما يتمتع به هؤلاء من إجماع لدى الأمة.
-        محمود أبو ريّة
مصري ولد في كفر المندرة ، مركز أجا ، محافظة الدقهلية ، في 15 ديسمبر 1889 م 21 ربيع الثاني 1307 ه .
-        كتب في مجلّةِ الرسالةِ والمقتطف والعربي والأهرام والمقطم والسياسة وغيرها , بدأ حياتهُ الفكرية مُتتلمذا على شيخِ الأدبِ وإمامهِ : مُصطفى صادق الرافعيِّ ، ثُمَّ دخلَ عالمَ التصنيفِ ، وكانَ مُبتدأُ أمرهِ تلخيصَ الكُتبِ واختصارها ، فاختصرَ منها جملةً ككتابِ " المثلِ السائرِ " و " ديوانِ المعاني " واختارَ نُخبةً من أخبارِ " الأغاني " وغيرِها .
-        أول تأليف له  كتابهُ " أضواءٌ على السنّةِ المُحمّديّةِ " ، هاجمَ فيهِ السنّةَ النبويّةَ ، وخلصَ إلى أنّها غيرُ ملزمةٍ لأحدٍ في العملِ بها ، وتطاولَ كذلكَ على الصحابةِ الكِرامِ ، وخصَّ من كتابهِ جزءً كبيراً في الهجومِ على أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ - ، جمع فيه جميع شبه المستشرقين و طعون الروافض ، خاصة كتابٌ لأحدِ علماءِ الرافضةِ ، وهو عبدُ الحسينِ شرفُ الدّينِ ، " أبو هريرةَ " ، وفي هذا الكتابِ خلصَ  الرافضيِّ إلى أنَّ أبا هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ – كانَ منافقاً كافراً  وضاعا للحديث على النبي صلى الله عليه وسلم !. 
-        فما كان من أبي رية الى أن تبنى طعون الرافضي  ولم يبقَ وصفٌ من صفاتِ السوءِ والدناءةِ إلا حطّهُ على أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ - ، وكانَ من جملتها اتهامهُ بالكذبِ صراحةً ، وبوضعِ الحديثِ واختلاقهِ . 
-        كما ألف  كِتابا سماه ِ : " دينُ اللهِ واحدٌ " ، والذي خلصَ فيهِ إلى دخولِ اليهودِ والنّصارى للجنّةِ مع المُسلمينَ ، وأنَّ الإيمانَ باللهِ تعالى ووجودهِ – وحسب – كافٍ في النّجاةِ من النّارِ والدخولِ إلى الجنّةِ . 
-        وقد أحسنَ العلاّمةُ الشيخُ : مُصطفى السباعيُّ – رحمه الله  – في وصفِ أبي ريّةَ وكِتابهِ الأضواء ، عندما قالَ : " .. جاهلٌ يبتغي الشُهرةَ في أوساطِ العلماءِ ، وفاجرٌ يبتغى الشهرةَ بإثارةِ أهلِ الخيرِ ، ولعمري إنَّ أشقى النّاسِ من ابتغى الشهرةَ عندَ المنحرفينَ والموتورينَ بلعنةِ اللهِ والملائكةِ والنّاسِ أجمعينَ " . 
-         ومن عجيب قدر الله أن هذا الرجل الذي لهث خلف الشهرة عمره , وسعى إليها دهره , قضى نحبه دون أن يكتب عنه أو يرثيه كبير أحد !! 
فلم يترجم له الزركلي مع تقدم وفاته , ولا استدركه أحدٌ بعده عليه ! مع أنه كان كاتبًا في كثير من مجلات عصره وصحفه ، ومع أنه كتبه أثارت ضجةً وصخبًا وردودًا .
لكنه عوقب بنقيض قصده , فأخمل الله ذكره , و أهمل التاريخ ،  فلم يترجم له إلا الروافض .
-        فقد خصه بالترجمة السيد مرتضى الرضوي في كتابه " مع رجال الفكر "  ( 1 / 130 – 158 ) نشر مكتبة الإرشاد للطباعة والنشر , بيروت – لندن ، ننقل منه مقتطفات ليقف القارئ على الصلة الوثيقة بينه وبين الشيعة الرافضة :
قال الرضوي « الشيخ محمود أبو رية من الكتاب البارزين في مصر .
* ولادته : في كفر المندره " مركز أجا " محافظة الدقهلية في 15 ديسمبر عام 1889 م . 
* جمع بين الدراسة المدنية والدينية بالمدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد الدينية .
* قضى أكثر أيام عمره في مدينة المنصورة حتى وفد إلى الجيزة عام 1957 م وبقي فيها إلى حين وفاته .
* توفي في 11 ديسمبر 1970 م بالجيزة . 
* أهم آثاره : " علي وما لقيه من أصحاب الرسول " مخطوط , " أضواء على السنة المحمدية " طبع ثلاث مرات ، " أبو هريرة شيخ المضيرة " طبع ثلاث مرات , " السيد البدوي " , كتاب " حياة القرى " , " صيحة جمال الدين الأفغاني " , " رسائل الرافعي " , " جمال الدين الأفغاني " , " دين الله واحد " , " قصة الحديث المحمدي " , وغيرها . 
* تعرفت إليه عام 1958 م . 
* من علماء القاهرة المحققين .
* حقق في السنة النبوية وعرَّى الأيادي التي دست فيها الوضع والاختلاق ، وأدخلت عليها الخرافات والإسرائيليات , وقد أرخ الحديث النبوي وألقى عليه أضواء كشافه .
* يندفع فيما يكتب إلى نصرة أهل البيت ووجهة نظرهم . 
* كتب مقدمة لكتاب : " أحاديث أم المؤمنين عائشة " استعرض فيها الفتنة التي قامت بها وما أثارت في المسلمين من الشقاق والصراع . 
* أوذي في سبيل العقيدة الإسلامية إيذاء شديدا واستمر إلى آخر يوم في حياته يناضل في طريق الحق بصدق وإيمان تغمده الله برحمته الواسعة . ..الى أن قال : فجلست إلى جنب فضيلته وحييته , فرحب بي كثيرًا ، وفتحت الحديث معه وقلت : يا مولانا الشيخ : بأي مذهب من المذاهب الأربعة متمسك . 
فأجاب : أنا مسلم أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ، وأنا غير ملتزم بمذهب من هذه المذاهب الأربعة . وقال : أنا أعلم من الشافعي ، وأبي حنيفة .
فسألته عن رأيه في الصحاح . فقال : الصحاح صحاح عند أصحابها . 
فقلت : ما رأي سيادتكم في بعض الرواة المكثرين للحديث . فقال : تقصد زي من , مثل من ؟ 
قلت : " أبو هريرة " . 
فقال : أبو هريرة رجل وضاع .
قلت : قد ألف الإمام شرف الدين العاملي كتابا في حياة هذا الراوية المكثر وأسماه : " أبو هريرة " , فمد فضيلته يده إلى حقيبة كانت معه وأخرج منها كتاب : " أبو هريرة " الذي ألفه الإمام شرف الدين العاملي , وكانت الطبعة الأولى طبعة صيدا - لبنان , وقال : هذا ما أهداه لي الإمام شرف الدين . فناولني النسخة فأخذتها بيدي فرأيت الإهداء بخط الإمام شرف الدين على الكتاب وفيه ما يشعر بجهاده وعلمه ، وإكباره .
ثم أخبرته بوفاة هذا المصلح - شرف الدين - قبل أسبوع في يوم الاثنين الماضي الموافق 30 / 12 / 1957 م الموافق 8 / 6 / 1377 ه ... ثم قلت لفضيلته : السيد العسكري من كبار المؤلفين في العراق ومعروف لدى كبار علماء النجف الأشرف ويمكنكم مراسلته وأخذ ما يخص هذا الموضوع منه , فراجعه فضيلته بعد ذلك وذكر هذا في كتابه : " أضواء على السنة المحمدية " في الطبعة الثالثة التي طبعتها دار المعارف بمصر تحت إشرافه .
ثم جرى الحديث حول الخلافة الإسلامية ، والخلفاء ، وما أصيب به المسلمون من انحطاط ، واضطهاد ، وذلك لتفرقهم ، وتسلط الاستعمار الغاشم عليهم وجعلهم فرقا ، وأحزابا . 
ثم تحدثت عن المذاهب الأربعة وقلت : إن هذه المذاهب : هي التي احتضنتها السياسة ، وروجتها تجاه الإمام الصادق من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقلت : إن المستشرقين الذين طعنوا في الإسلام استندوا إلى الخرافات ، والإسرائيليات التي وجدوها في كتب أهل السنة . 
فقال : أنا معك .
ثم سألته عن اتجاهه الفكري هذا وتبنيه لقضايا التمحيص في السنة النبوية التي هي أساس الإسلام , فكان يتحرق فضيلته على ما في عامة الكتب الدراسية الأزهرية ، وغيرها في الخرافات ، والإسرائيليات . وهو الأمر الذي جعله يتجه إلى تمحيص السنة النبوية ، وتعرية الأيادي التي دست فيها هذه الأباطيل التي روجتها اليهودية المتمثلة في كعب الأخبار ، وأبي هريرة ، وأضرابهما فكان كتابه هذا ثورة على الباطل ، وانتصارا للحق ، وتخطيطا للوصول إلى السنة النبوية ..."  و يذكر أنه أعجب بكتاب : عبد الله بن سبأ" للسيد مرتضى العسكري و أنه كتب أثنى عليه كثيرا ومما كتبه : .. . وإني ليسرني كل السرور أن أشيد بفضل عالم محقق كبير من علماء العراق قد نهض ليؤدي ما عليه نحو الدين والعلم فأخرج للناس كتبا نفيسة كانت كالمرآة الصافية التي يرى فيها المسلمون وغير المسلمين تاريخ الإسلام على أجمل صوره في أول أدواره ، ذلكم هو الأستاذ " مرتضى العسكري " فقد أخرج لنا من قبل : كتاب " عبد الله بن سبأ " أثبت فيه بالأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة ، أن هذا الاسم لم يكن له وجود وأن السياسة " لعنها الله " هي التي ابتدعت هذا الاسم لتجعله من أسباب تشويه وجه التاريخ ، وبين أن شيخ المؤرخين في نظر العلماء وهو الطبري قد جعل جل اعتماده في تاريخه ورواياته على رجل أجمع الناس على تكذيبه . . ومن الغريب أن جميع المؤرخين الذين جاؤوا بعد الطبري قد نقلوا عن ابن جرير كل رواياته بغير تمحيص ولا نقد ، وهذا الرجل الكذاب هو : سيف بن عمر التميمي . وأردف العلامة العسكري هذا الكتاب النفيس بكتاب آخر أكثر منه نفاسة هو كتاب : " أحاديث عائشة " وقد تناول في هذا الكتاب تاريخ هذه السيدة لا كما جاء من ناحية السياسة والهوى والعصبية ، ولكن من أفق الحقيقة التي لا ريب فيها ، وكتبه بقلم نزيه يرعى حرمة العلم وحق الدين لا يخشى في الله لومة لائم.. هذه لمحة خاطفة مما حواه كتاب " أحاديث عائشة " ولو نحن ذهبنا نبين ما فصله هذا العالم المحقق في كتابه هذا مما أوفى به على الغاية ، ولم نر مثله من قبل لغيره لاحتجنا إلى كتاب برأسه . ." و كل من قرأ كتاب العسكري يصاب بالصدمة من سيل الكذب و الإفتراء على أم المؤمنين عائشة و تضخيم دورها في الفتنة و الحروب بين المسلمين وتأليب الناس على الخروج على عثمان و علي مستقويا بجيش من الروايات الموضوعة و الضعيفة للطعن في الصديقة و كبار صحابة النبي الكريم  ! فكيف يصدق قوله انه كتبه بقلم نزيه يرعى حرمة العلم وحق الدين ..
-        هذا وإني لما غادرت القاهرة وأتيت إلى سوريا ولبنان وقبل وصولي العراق عرفت فضيلة الأستاذ الشيخ محمود أبو رية على جماعة من الأساتذة والعلماء والكتاب في كل من سوريا ولبنان ، والعراق : كالأستاذ صدر الدين شرف الدين , وفضيلة الشيخ محمد جواد مغنية , وآية الله الإمام الخوئي , والعلامة الأستاذ الشيخ أحمد الوائلي , والأستاذ رشيد الصفار . 
وقد تبودلت الرسائل بينه وبين السيد صدر الدين شرف الدين وطلب من الشيخ أن يراسله وأرسل له فصولا من كتابه " شيخ المضيرة " فنشر منه في عدة أعداد من مجلته " مجلة النهج " وتوثقت بينه وبين الشيخ الاتصالات ، وتبادلت بينهما الرسائل حتى استطاع الأستاذ صدر الدين أن يقوم بطبع كتابه " شيخ المضيرة " الطبعة الأولى في صور - لبنان .
وكما تبادلت الرسائل بينه وبين الشيخ محمد جواد مغنية حول طبع " شيخ المضيرة أبو هريرة " وذلك قبل أن يتم الاتفاق مع السيد صدر الدين شرف الدين كما تبادلت الرسائل بينه وبين آية الله الخوئي ، والأستاذ رشيد الصفار . وفي 12 / 10 / 1963 م تسلمت طردا من دائرة بريد النجف مرسله فضيلة الأستاذ " أبو رية " من القاهرة وفي باطنه ثلاثة نسخ من كتاب : " أبو هريرة راوية الإسلام " بقلم الحجاج الخطيب الشامي وقد صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة أعلام العرب إلى الأسواق بتاريخ 7 / 11 / 1963 وكانت النسخ مهداة لي وللسيد العسكري وللأستاذ رشيد الصفار هو لأني كنت همزة وصل وتعريف بينهم .
وفي إحدى رحلاتي إلى القاهرة التقيت بالأستاذ رشيد الصفار فكان يذهب معي إلى منزل الأستاذ الشيخ محمود أبو رية . وكان آية الله الخوئي عندما تصل إليه رسائل الشيخ محمود أبو رية كان يرسل علي ويطلعني عليها أو يرسلها لي لأطلع عليها . وفي أحد الأيام جاءني السيد عماد حفيد آية الله الخوئي وقال : إن جدي يطلب حضورك ، وكان عندي جماعة وعندما انصرفوا توجهت إلى دار سماحته ولما دخلت سلمت وجلست فتوجه نحوي سماحته وقال : لقد تأخرت علينا في المجئ وأرسلت الرسالة إليك مع فضيلة السيد مرتضى الحكمي. وعند ذلك جلست زمنا يسيرا وإذا بفضيلة السيد الحكمي قد دخل علينا فتوجه إليه آية الله الخوئي وقال : لقد حضر السيد ، فأعطه رسالة الشيخ ليطلع عليها فتسلمتها وقرأتها وهذا بعضها : " عزمت على وضع كتاب باسم : " أمير المؤمنين علي وما لقي هو وبنوه من أصحاب رسول الله " . أولا : من الثالوث الأول أبو بكر وعمر وعثمان . ثانيا : من الثالوث الثاني عائشة وطلحة والزبير . وثالثة الأثافي : ما صنعه عثمان من تأسيس الدولة الأموية ثم انتهاء أمر الخلافة إلى سكير خمر عربيد ملعون هو وأبوه وجده . وإني الآن أعكف على قراءة المصادر التي تعينني على ذلك وكل ما أرجوه أن يوفقني الله إلى أداء هذا العمل على أكمل وجه . محمود أبو ريه القاهرة : 12 / 1 / 1388 ه* .
وفي 5 / 11 / 69 وصلتني رسالة من الأستاذ " أبو رية " تاريخها 26 / 10 / 1969 من القاهرة يقول فيها : " كتاب قصة الحديث المحمدي " الذي كانت وزارة الثقافة قد طلبته مني منذ عشر سنين ووقف الأزهر في سبيله حتى لا يظهر قد أراد الله أن يظهر رغم أنف الأزهر بعد ما قرأه الدكتور طه حسين وشهد بقيمته شهادة فائقة وسأرسل لك نسخة منه هدية ومعها بعض نسخ لأصدقائنا الأعزاء ومع كل نسخة بيان مطبوع منا . . . وفي 20 / 11 / 1969 جاءني البريد ويحمل ملفا فيه ثلاث نسخ من الكتاب " قصة الحديث المحمدي " أحدهما كانت باسمي ، والثانية باسم السيد العسكري ، والثالثة للأستاذ رشيد الصفار وفي كل نسخة بيان مطبوع وإليك نصه : للحقيقة والتاريخ كان من حق هذا الكتاب ( قصة الحديث المحمدي ) أن يخرج إلى الناس مطبوعا منذ أكثر من عشر سنين ، ذلك بأن وزارة الثقافة المصرية كانت قد طلبت منا مختصرا لكتابنا : " أضواء على السنة المحمدية " عندما ظهرت طبعته الأولى في سنة 1958 م لتجعله حلقة في سلسلة مكتبتها الثقافية ، وقبل نشره عرضته على الأزهر ليبدي رأيه فيه وما كاد يقف عليه حتى أرصد له من كيده فرماه بأن فيه ما يخالف الدين وطلب عدم نشره وتداوله بين المسلمين ، ولم تستطع هذه الوزارة أن تخالف عن أمره لأنه ما يربطه على الأرض يكون مربوطا في السماء ، وظل هذا الكيد يلاحق الكتاب هذه السنين الطويلة لكي يحول دون نشره بين الناس إلى أن علم أخيرا بالأمر نصير الدين والفكر الدكتور طه حسين طلب أصول الكتاب من وزارة الثقافة ولما اطلع عليه أعاده علينا مع خطاب ، دحض فيه ما رماه الأزهر به . وصرح في جلاء أنه موافق للدين كل الموافقة لا يخالفه ولا ينبو عنه في شئ مطلقا . وأنه مفيد فائدة كبيرة جدا في علم الحديث . . . وأن في نشره الخير كل الخير ، والنفع كل النفع وبذلك انحسم الأمر ، وحصحص الحق ، واتخذ الكتاب سبيله إلى الناس مطبوعا لينتفعوا به . ولأهمية خطاب الدكتور طه حسين نشرنا صورته على غلاف الكتاب ، تبصرة لأولي الألباب . محمود أبو ريه 13 / 10 / 1969 » .

انتهت ترجمة أبي رية من كتاب « مع رجال الفكر » لمرتضى الرضوي . وكما رأيتَ هذه الصلة الوثيقة بينه وبين الشيعة , فكرًا واتصالاً وودًّا , فقد احتفى القوم به وبكتبه , فقل أن ترى تأليفًا لأحدهم لا يرجع إليها ناقلاً ومستشهدًا , مع عبارات الإطراء والإجلال والتقدير , من نحو : « الأستاذ العلامة » , « عَلِـيم المنصورة » , « عَيْلَم المنصورة » , « عالم الأزهر » , « العالم المصري الفقيه , صاحب البحوث الضافية النافعة في الحديث والاجتماع » , « عالم مصر » , « المرحوم المغفور له » , « فقيد مصر » , « طيب الله ثراه » !!
انظر : « النص والاجتهاد » لعبد الحسين شرف الدين ( ص : 70 , 509 ) , و « أحاديث أم المؤمنين عائشة » لمرتضى العسكري ( ص : 9 ) , و « نظريات الخليفيتين » لنجاح الطائي ( 1 / 210 ) , وغيرها .
-        الطبيب عماد محمد بابكر حسين
طبيب سوداني ولد  في مدينة عطبرة شمال السودان سنة 1962 ، درس الطب في جامعة الخرطوم و تخرج منها سنة 1988 ، ثم هاجر الى بريطانيا سنة 1991 ، تخصص في علم الميكروبات الدقيقة ، ثم الطب النفسي . و نال دبلوما في علم التنويم المغناطيسي من لندن !
بعد ذلك نال درجة الدكتوراه في فلسفة مقارنة الأديان ، ونشر عدة بحوث منها :
أميرة مصر و ذلك النبي الغامض .آذان الأنعام . أمي كاملة عقل و دين ..
 و كتابه أذان الانعام : ألفه بالاشتراك مع أخيه المهندس علاء الدين، وهو كتاب يقوم على طرح جديد في باب "أسلمة التطور" فهو يرى أن نظرية التطور مما نصّ عليه القرآن الكريم، وفي نفس الوقت الأنعام –الضأن والمعز والبقر والإبل- نزلت نزولاً مباشرًا من السماء على آدم الأول فكانت آيةً من الله، فالأنعام بناءًا على ذلك لم تدخل نسق التطور، وإذا أثبت العلم أن الأنعام بالفعل خارج شجرة التطور فستكون آية أخرى من الله في آخر الزمان، ولذا كان اسم الكتاب "آذان الأنعام" أي: نداء الأنعام، وكأنها نداء للدلالة على صحة الإسلام . و قد سلكا في الكتاب مسلك التأويل الباطني لنصوص الشرع الحكيم ، مما أدى إلى الانحراف بالنص خارج سياقه ودلالته ومبناه .
من أقواله :
-        قال تحت عنوان : تعدد آباء الإنسانية ، ص 285 :
من الملاحظات اللافتة للنظر في آیة نزول الأنعام أنَّ لله حدَّد باللفظ عددَ الأنعام التي نزلت :{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الآنْعَامِ ثَمَانِیَةَ أَزْوَاجٍ }، من غیر أن یوضِّح في أيِّ موضعٍ لماذا كانت ثمانیة ولم تكن سبعة أزواج أو تسعة مثلا ، ولماذا حدَّد الرقم؟ إذ كان من الممكن أن یشیر إلى أنَّھ أنزل الأنعام من غیر تحدید للعدد، إلا إذا كان في ھذا الرقم حكمةٌ تفید الإنسان في زمن من الأزمان. ما یزید الأمرَ غرابةً أنَّ القرآن یستعمل الأرقامَ الفردیةَ للإشارات الرمزیة وللمبالغة في
التعبیر، و أنَّ السنة ارتبطت بالأرقام الفردیة في كثیر من أوجھھا، و ما تحدیدُ عدد أزواج الأنعام بثمانیة إلا استثناء ناذر .
إذا افترضنا أنَّ الأنعام حینما نزلت كان لھا قیمةٌ غذائیةٌ وتعبُّدیَّةٌ، فإنَّ العدد الذي نزل لا بُدَّ وأن یكون مكافئاً من حیثُ الفائدةُ وإحداثُ الاكتفاء العادل بین كلِّ مجموعة آدمَ الأولى، رغم وجودِ فرق كبیر بین أحجام الأنعام و فوائدها باختلاف أنواعها.[2]
فآدم عليه السلام من وجهة نظر الكاتب ليس شخصا وإنما هو تجمع بشري عبارة عن 32 نسمة!
لكن لماذا بالتحديد العدد 32 شخص؟
يقرر الكاتب أن حساب عدد الأشخاص الذين هم آدم جاء بناءا  أن الأنعام التي نزلت ثمانية أزاوج، اثنين من الإبل واثنين من الضأن واثنين من البقر واثنين من الماعز.
وبما أن الإبل تكفي لسبعة في الهدي أثناء الحج، والبقر يكفي لسبعة، والماعز واحد والضأن –الخراف- واحد، إذن يكون المجموع 32 وبالتالي عدد آدم كان 32 .
ويقول الكاتب تأكيدًا على صحة ما ذهب اليه : " لمَّا عرضنا رأینا على أھل العلم ذُھلنا من أنَّ علماء ھندسة الجینات قد وصلوا إلى أنَّ ھذا العدد ھو العددُ الأدنى الذي یمكن أن یبدأ بھ مجتمعٌ إنسانيٌّ معافىً . فالمعروف أنَّ التزاوج من الأقرباء یؤدي إلى تراكم الجینات، و ظھور الأمراض الوراثیة في الذریة، وقد نصح الرسول - صلى لله علیھ و سلم- بزواج الغرباء، بقولھ: "اغتربوا تصحوا".
ففي البحوث التي نُشرت على "الإنترنت"، أشار العلماءُ إلى أنَّ أصغرَ عددٍ یمكنھ أن یحافظ على تكاثرٍ معافىً للجنس
الإنساني، لا بُدَّ أن یبدأ بتزاوج أبناءِ مجموعةٍ بین خمسةٍ وعشرین إلى ستةٍ وثلاثین زوجاً؛ حتى تستقرَّ الصفاتُ
الحسنةُ و تطغى على الصفات المستودعة غیرِ المرغوب فیھا في الأجِنَّة. وقد سُمِّي ھذا الرقم ب "رقم دنبار" نسبة
للعالم البریطاني " روبین دنبار" الذي توصل إلیها ،(Dunbar Number). و بناءً علیه فإنَّ العلماءَ یفترضون أنَّ الجنسَ البشريَّ لا بُدَّ وقد ابتدأ بعد التطور من مجموعةٍ تقع بین الرقمین، و إلَّا لكان الإنسانُ العاقلُ قد انقرض منذ آلاف السنین، ویمكن مراجعةُ بحوثِ "دنبار" تحت اسمھ على الشبكة العنكبوتیة." [3]
سكن آدم في الجنة :
قال : بعد أن سُخّرَت مكوناتُ الأرضِ لعقل الإنسان (سجود الملائكة) ورفض إبلیسُ السجود، تقلَّد آدمُ - العنصر الملائم
للتغییر- منصبَ خلیفة لله في الأرض كما أُریدَ لھ أن یكون، وربط الشیطانُ قدَرَهُ بھ كما أقسم أمام لله . ولما كان آدمُ أصلا قد خُلق من ترابِ الأرض ،ونبت منھا نباتاً بصریح اللفظ ، و لما كان قد خلق ليكون خليفة في الأرض ، فليس من المعقول أن یُرفعَ الخلیفة بعد تولِّیھ منصبَھ وسُخّرت لھ قوانینُھا ومخلوقاتُھا، أنْ یُرفع لیسكنَ في جَنَة السماء. فسفیرُ السودان إلى بریطانیا مثلا، لا یُعقل أن یسكن في البرازیل بعد تسلّمِھ أوراقَ اعتماده، وكذلك فلیس ھناك منطقٌ أن
یسكنَ خلیفة لله في الأرض بعد تسخیرِ مخلوقاتھا لھ، في جَنّة السماءِ التي لا تكلیفَ ولا عصیانَ فیھا ،وإنّما نعیمٌ مقیم
دائم . أضف إلى ذلك أنَّ إبلیسَ كان من الجنِّ، وأنَّ الجنَّ - أصلا - مخلوقاتٌ سكنت الأرضَ قبل الإنسان، فلا یُعقلُ أن
یصعدَ إبلیسُ من الأرض ویدخلَ جَنّة السماء بعد أن طُرد من رحمة لله لیوسوس لآدم ھناك.
إذنْ فالافتراضُ أنَّ الجنة التي سكنھا آدمُ كانت في السماء لیس إلا لَبْسَاً لا أصلَ لھ، لا في المنطق ولا تسلسل
الأحداث ولا حتى في اللغة، وھو لیس إلا من "فضائل" بني إسرائیل علینا. أمّا في القرآن فقد ورد استعمالُ كلمة جَنّة
في أكثر من مكان لتعنيَ البستان والحدیقة ذات الأشجار الكثیفة، كقولھ:
{ و اضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و خففناهما بنخل و جعلنا بينهما زرعا }
32 الكھف .
بحثنا في آراء السلف فلم نجد دلیلاً یُنسبُ لمن لا تجوزُ معارضتھ یدلُّ على أنَّ "الجنة" المقصودة ھنا كانت في
السماء، إذ إنَّ كلَّ الآراء الواردة لیست إلا اجتھاداتٍ اعتمدت على أنَّ اللفظَ جاء مُعرَّفاً بالألف واللام، وھذا في تقدیر
بعضِھم یدل على أنَّھا جَنّةٌ واحدةٌ ھي جنة السماء، وما ھذه الاجتھاداتُ والاختلافاتُ في الرأي إلا نتاجُ غموضِ القصةِ
كلِّھا والتأثر بالإسرائیلیات. والأحداث التالیة - ونحن نمشى على خُطى الإنسانِ الأول - ستقدمُ الكثیرَ من الأدلةِ على
أنَّ كلَّ شيءٍ تمَّ في الأرض.[4]
 و يقول : " أنَّ آدمَ وزوجَھ" الجنس" قبل السكن في الجنة كانوا في حالةِ حركةٍ واضطراب. الحركة من أجل البحث عن الرزق، والاضطراب في صراعاتھم المختلفة مع بقیة الحیوانات قبل  أن یُمنحوا سلطانَ العقل والقدرة على التحكم فیھا وفي قوانین الطبیعة. ھذه الحالة من الحركة والاضطراب ربَّما تكون سببَ فسادِھم في الأرض وسفكھم للدماء قبل أن یُنقلوا إلى إنسان عاقل ، و رغم أن الله أتاهم العقل ، فالله يعلم أن العقل الذي یفتقرُ الخبرةَ في الحیاة یحتاجُ إلى عونٍ كبیر في أول أیامھ؛ لذلك وفَّر لھم سكناً آمنا تتوافر فیھ كلُّ احتیاجاتِ الإنسانِ ،ودلّلَ على ذلك قول لله - عز وجل : { أن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى } 118 طه . توافر الأكل و السترة  ، و قوله تعالى : { و أنك لا تظمؤا فيها تضحى } 119 طه . توافر الماء و الظل وقد وصف ذلك المكان بالجنة إشارة إلى حدیقة أو غابة معروفة لدیھم.
یجب أن ننتبه[5] ھنا إلى أنَّ لفظ "لا تعرى" لا یعني أن تكون عاریاً من الملابس؛لأنَّ آدم أصلاً كان عاری اً، وإنَّما تعني
أنْ "لا تكون مكشوفاً في العراء لأخطار الطبیعة".
خطيئة آدم
قال : سكن الإنسانُ العاقلُ داخلَ الجنة ذُكراناً وإناثا، و سمح لله لھم أن یعیشوا كیفما یشاءون داخلھا ویأكلون من حیثُ
شاءوا ،ولكنَّه نھاھم عن فعلِ شيءٍ واحدٍ ھو { ولا تقربا هذه الشجرة } البقرة 35 " وجاء الخطاب ھنا بلفظ المثنى، وكأنَّ للهَ ینبھھم إلى تساوي المسؤولیة بین الإناثِ والذكورِ في عدم الاقتراب من الشجرة، أو كأنَّ الاقترابَ منھا فعلٌ مشتركٌ لا یمكن أن یقوم بھ ذكرٌ دون أنثى. ھذا الخطابُ المزدوجُ یجعل الوصفَ القرآني مختلفاً تماماً عن الوصف التوراتي حیث وجَّھ الخطاب في النھي لآدم فقط ، وفھم الیھودُ أنَّ آدم ھذا كان ذَكَر اً، ثمَّ كان إغراءُ الشیطان للأنثى التي أكلت أولا ثم أعطت زوجَھا لیأكل، وما ذلك إلا لأنَّ بني إسرائیل أوَّلوا الشجرة إلى شجرة تفاح، وبالتالي ضاع قدرٌ مھمٌ جداً من أصل القصة. ومن ھذا التحریف نتجت لعنة الیھود على المرأة التي انتقلت إلى التقالید الإسلامیة والعربیة ، وأصبحنا نردد أنَّ المرأة ھي التي أخرجتنا من الجنة من غیر أن نفكِّرَ لحظة في أننا إنَّما نردد تأویلاً شاطحاً من تأویلات الإسرائیلیات لا علاقة لھ بنصِّ القصة في القرآن. قلنا إنَّ لله وفّر لآدمَ كلَّ احتیاجاته الحیوانیة في الجنة حتى یتفرغ لاستعمال العقل في التدبر... ولكنْ بقیت حاجةٌ حیوانیةٌ واحدةٌ تمّ تحذیرُه من الاقتراب منھا....تلك ھي شجرة الخلد[6]...
 الى أن قال : أنَّ الشیطان إنَّما فَتَنَ مجموعة من البشر ، ولیس رجلاً وامرأة فقط كما ھو مفھوم من غیر دلیل.
وأیضاً یتضحُ لنا من حذف كلمة "شجرة" أنَّ الشجرة إنَّما ھي وصفٌ مجسمٌ أو حركيٌّ للمعصیة التي استدرج لھا
الشیطانُ ذكور مجموعة آدم و إناثھا، ولكنَّھا لیست شجرةَ تفاحٍ كما فسَّرت الإسرائیلیات، وتبعھا في ذلك المسلمون من
غیر تدبُّر نحن نعلم أنَّ ھذا التوضیحَ لأمر واضحٍ جداً في ألفاظ الآیة لھ وقعُ الصاعقة على كثیر من الناس، ولكنَّ من المھم جداً أن نتذكر أنَّ ھذا التفسیر الذي ستؤكِّده دلائلُ أخرى، لا یتناقض مع ما عُلِمَ من الدین بالضرورة، ولا یعارضُ
تفسیراً صریحاً من النبيِّ صلى لله علیھ وسلم للآیة، و كذا لا یعارض اتفاقاً عاماً بین علماء المسلمین على ھُوِیَّة
الشجرة. كلُّ ما یعارضُھ ھو التأویل المتوارث الذي أصبح من المسلَّمات كالعقیدة ، وإنْ كان أصلھ من الإسرائیلیات.
ھذه الألفاظُ لا تمھِّدُ إلا لأنْ نكتشفَ أنَّ أول معصیة ارتكبتھا مجموعة آدم ھي ممارسةٌ جنسیة قبل أن یشرِّع لله لھم
العلاقاتِ الزوجیة .[7]
و قال عن استعمال لفظ الشجرة : فإنَّ استعمالَ لفظ "شجرة" ھنا یكون وصفاً للمداخلة بین الإناث والذكور والتي كانت مفھومة لآدمَ من سابق تَجْرِبة، وإنْ لم یكن لدیھ بعدُ مصطلحاتٌ اجتماعیةٌ أو فلسفیةٌ أو خُلُقیةٌ یفھمھا بھا.
الشیطانُ - كما قلنا- مخلوقٌ ماكرٌ وداھیة، ولذلك نفترض أنَّھ كان عالماً بما یدور في خَلَدِ آدم في تلك اللحظة من
وجودھم في الجَنّة بعد أن رُفِعوا إلى مستوى خلافةِ لله في الأرض، وربَّما استمع إلیھم من حیث لا یرونھ كما وصف
لله. ولیس جدیداً أنَّ غریزة حبِّ البقاء والاستمراریة في الأرض غریزةٌ في كلِّ الحیوانات تشبعھا بالتناسل من غیر
تفكیر، ولكنَّ آدمَ الآن أصبح مخلوقاً عاقلاً یمكنھ أن یَدخلَ في حوار ویستدرجَ في إشباع غرائزه وتحقیق طموحاتھ، إلا
أنَّھ حُظر علیھ الاقترابُ من سلوكٍ واحدٍ وصفھ لله لھ بصفتھ الحركیة ، وھو حالة التداخل بین الإناث والذكور من
غیر أن یعرف السِّرَّ في ذلك، غیرَ أنَّھ لو اقترب منھ فسیكون من الظالمین . وھنا نلاحظُ أنَّ الشیطانَ ربط لھ ھذه
الشجرةَ الممنوعةَ بالخلود أو اتساع ملكھ وبقائھ. ھذا الوصفُ من شأنھ أن یُحرِّكَ فیھ غریزةَ البقاء والشعورَ بالأمان،
الذي كان أحوجَ ما یكون إلیھ في ھذا العالم الجدید المرعب. وتجدر الإشارةُ ھنا إلى أنَّ لفظ "مَلَكَیْنِ " لا تعني أن
یصبحا من الملائكة، ولكنَّھا تعني امتلاكھم للملك كما في آیة سورة طھ: {وَمُلْكٍ لا یَبْلَى}. أي أنَّ الاقترابَ من ھذه
الشجرة سیقودُھم إلى استمراریةٍ في الوجود وإلى اتساع ملكھم.[8]
فالشجرة عند الكاتب هي الجماع، حيث أن الشجرة من الشجْر والشجر هو التداخل والتلاحم. كما يقول في صفحة 96.
لكن ما لم يذكره الكاتب أن الشجر ليس من معانيه في اللغة الجماع! ولم يذكر ذلك أحد! وكلمة شجرة في كتاب الله اسم لذات ولم ترد كفعل! وكتاب الله تعالى نزل بلسانٍ عربيٍ مبين { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} ﴿١٠٣﴾ سورة النحل.

موت داروین على الفطرة السلیمة:
لیس غریبًا - إذنْ - أنَّ السوادَ الأعظمَ من المسلمین، علماء وعامة، ممَّ ن یحلو لھم وصف دراوین بالإلحاد، لا
یعرفون من ھو داروین وماذا قال. فلیس غریبًا أبدًا أن تجد من لا یستطیعُ التمییزَ بین داروین عالم الأحیاء البریطاني
المسیحي، ولینین وستالین وغیرھما من أقطاب العقیدة الإلحادیة الشیوعیة السوفیتیة. ولعلَّ من العوامل الأساسیة التي
خلقت نفورًاعامًا لدى المسلمین ممَّا طرحھ داروین، وبالتالي أدى إلى جھلٍ وسذاجة في التعامل مع نظریتھ، ھو أنَّ
فكرة أنَّ الإنسان أصلھ قرد فكرةٌ منفرةٌ لمن یظنُّ أنَّ الإنسان خُلق بقدرة لله إنسا نًا عاقلًا من أول یوم في شخص آدم،
وبذلك فإنَّ الفكرة ترفض جملةً وتفصیلًا من غیر دراسة، ومن ثَمَّ یوصف صاحبُھا بالإلحاد. على أنَّ المسلمین أنفسَھم
لو تدبروا القرآن لوجدوا أنَّ أصل الإنسان في القرآن "طین"، وھذا أمرٌ لا یدعو للتقزز وإنَّما للتدبُّر، بید أنَّ القرد
بوصفھ مخلوقًا لھ مستوى من الذكاء وكثیر من القدرات أرقى بمراحلَ كثیرةٍ من مجرد طین. و أخیرً ا و لیس آخرًا؛
فإنَّ داروین - أصلا- ما زعم أنَّ أصل الإنسان قرد، ولا حتى ادَّعى أنَّھ وصل إلى اكتشاف أصل الإنسان، بالإضافة
إلى أنَّ غیر المسلم لا یكفر مرتین، وداروین -أصلا- لم یكن مسلمًا بالمعنى المفھوم لا قبل نظریتھ و لا بعدھا، وإنَّما
كان مسیحیًّا قبلھا، و لا یشكُّ أحدٌ أنَّھ مات موحدًا على الفطرة السلیمة بعد أنْ رفض كلَّ تناقضات الكتاب المقدس علنًا،
و وجَّھ وجھھ للذي فطر السماوات والأرض. ھذا الرفض للكنیسة وعقیدة الثالوث ھو الذي جعل الكنیسة تكفِّره، و كان
الأجدر بالمسلمین أن ینظروا إلى ذلك بمعیار مختلف، آخذین في الحُسبان أنَّ القرآن ذكر في مواقعَ كثیرةٍ أنَّ لله یُري
آیاتھ للذین كفروا، كما في آیة "إنَّ السموات والأرض كانتا رتقا" الشيء الذي لا یقللُ من قدر آیات لله الكونیة وإنْ
كان مكتشفھا غیر مسلم.[9]
فهذه بعض معتقدات و أفكار عماد حسن . و هي نموذج واضح لباقي أفكاره التي بثها في كتبه الأخرى . و هذا هو الكتاب الذي احتفى به الناشر ووصفه بكتاب العصر .

----  يتبع 



[1] مهندسٌ استشاري مختص في دراسات الإسمنت المسلح وأعمال التدعيم الإنشائ
[2]  آذان الأنعام ص 285
[3] ص 285-286.
[4] ص 91-92
[5] ص 93
[6] ص 94
[7] ص 95
[8] ص 96
[9]  ص 22

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة

آخر التعليقات

عن الموقع

موقع الإمام البخاري صرح علمي شامل .. نحاول من خلاله جمع شتات ما كتب و صنف حول البخاري و صحيحه ، من شروحات و طبعات و تراجم ، و أطروحات علمية و أكاديمية ، مقالات علمية .. كما يحتوي على مكتبة سمعية و بصرية مفيدة لطلاب العلم .